أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل
خطبة الجمعة بعنوان: (من فقه التقنية: 50 قاعدة تحمي حياتكم واستقراركم من مخاطر الهاتف الجوال) د/ أحمد علي سليمان
خطبة الجمعة بعنوان: إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك منهج الإسلام في رعاية الحياة الخاصة والعامة بقلم المفكر الإسلامي الدكتور/ أحمد علي سليمان

أَجْمَلُ خُطْبَةٍ في بيان فقه التَّعَامُلِ مَعَ التِّقْنِيَّةِ، وكشف مخاطرها، وتحديد سُبل التَّعَامُلِ الرَّشِيدِ معها. خطبة الجمعة بعنوان: (من فقه التقنية: 50 قاعدة تحمي حياتكم واستقراركم من مخاطر الهاتف الجوال) إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك منهج الإسلام في رعاية الحياة الخاصة والعامة بقلم المفكر الإسلامي الدكتور/ أحمد علي سليمان عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الجمعة: 24 ذي الحجة 1446هـ / 20 يونيو 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 20 يونيو 2025م ، للدكتور أحمد علي سليمان بعنوان : (من فقه التقنية: 50 قاعدة تحمي حياتكم واستقراركم من مخاطر الهاتف الجوال) إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك منهج الإسلام في رعاية الحياة الخاصة والعامة :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة بتاريخ 20 يونيو 2025م ، للدكتور أحمد علي سليمان بعنوان: (من فقه التقنية: 50 قاعدة تحمي حياتكم واستقراركم من مخاطر الهاتف الجوال) إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك منهج الإسلام في رعاية الحياة الخاصة والعامة ، بصيغة pdf أضغط هنا.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 20 يونيو 2025م ، للدكتور أحمد علي سليمان ، بعنوان : (من فقه التقنية: 50 قاعدة تحمي حياتكم واستقراركم من مخاطر الهاتف الجوال) إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك منهج الإسلام في رعاية الحياة الخاصة والعامة : كما يلي:
الحمد لله الذي أمر بالستر، ونهى عن التجسس والظن السيء والتلصص والهمز واللمز والغيبة والنميمة والإيذاء والأذية بأي صورة أو شكل، فقال في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) (الحجرات: 12). وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، أمرنا بحفظ حقوق الآخرين واحترام حياتهم ومشاعرهم وخصوصياتهم.
وأشهد أن سيدنا محمدًا (ﷺ) عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، خير الخلق عندك، وأكرمهم لديك، وأحبهم إليك، سيدنا محمد (ﷺ) الذي جاءنا بالبينات والذكر الحكيم. والذي حثنا أن نبتعد عن التدخل فيما لا يعنينا، وعلى حسن الخلق.
يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (الأحزاب: 56).
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الفَاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ، وَالخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، نَاصِرِ الحَقِّ بِالحَقِّ، وَالهَادِي إِلَى صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ، وَعَلَى آلِهِ حَقَّ قَدرِهِ وَمِقْدَارِهِ العَظِيمِ.
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله، فإنها وصيه الله للأولين والآخرين، قال تعالى: (…وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ…) (النساء: 131)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: 102)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب: 70-71).
وقال الكريم جل وعلا: (…وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة: 223). أما بعد…
دعـــاء
اللَّهُمَّ إنك تعلم أنَّ الأعداءَ قد تكالبوا على أمتنا، وأحاطوا بها من كل جانب، فكن لنا يا ربنا ولا تكن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا، واهدِنا ويسِّر الهُدى لنا، وانصرنا على مَن بغى علينا، يا قويُّ يا عزيز.
اللَّهُمَّ لا تسلُبنا سترَ إحسانك، ولا تحرمنا حلاوةَ مناجاتك، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفةَ عين، ولا أقلَّ من ذلك، يا أرحم الراحمين. اللَّهُمَّ قِنا مصارعَ السُّوء، وسوءَ الخاتمة، وفُجاءةَ البلاء، وداهماتِ المحن، وخذ بأيدينا إذا زلَّت أقدامُنا، ولا تجعلنا فِتنةً للقوم الظالمين. اللَّهُمَّ الطفْ بنا فيما جرت به المقادير وفي سائر تصرُّفاتنا، وألهمنا الرشدَ في أقوالنا وأفعالنا، ووفِّقنا لما تُحبُّ وترضى، وبارك لنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا.
اللَّهُمَّ اكفِنا واحفظنا واحفظ بلادنا من جميعِ جهاتنا: من أمامِنا، ومن خلفِنا، وعن أيمانِنا، وعن شمائلِنا، ومن فوقِنا، ونعوذُ بعظمتك أن نُغتالَ من تحتِنا. اللَّهُمَّ احفظْ مِصرَنا وسائرَ بلاد المسلمين، واجعلها بلادَ أمنٍ وأمان، وسِلمٍ وإيمان، ورخاءٍ واستقرار، يا حنّان يا منّان.
اللَّهُمَّ اجعل لنا من كلِّ همٍّ فرجًا، ومن كلِّ ضيقٍ مخرجًا، ومن كلِّ بلاءٍ عافية، واغمرنا برحمتك التي وسِعت كلَّ شيء، يا أرحمَ الراحمين، ويا أكرمَ الأكرمين، ويا أجودَ من سُئل، ويا أرحمَ من رجاه الراجون.
اللهم خذ بأيدينا إليك، أخذ الكرام عليك…
وصَلِّ اللَّهُمَّ على سيِّدِنا محمد، وعلى آلِه وصحبِه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا
دعوة عاجلة إلى الوحدة والتضامن والتكاتف
في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به أمتنا الإسلامية، وفي ظل ما يُحاك لها ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهارًا، فإنّه لا ملجأ لنا ولا منجى إلا باللجوء الصادق إلى الله (سبحانه وتعالى)، وبالعودة الجادّة إلى تعاليم ديننا الحنيف.
وإذا كان إلهنا واحدًا، وديننا واحدًا، وكتابنا واحدًا، ونبينا واحدًا، ومصيرنا واحدًا…
فإلى متى سنظل متفرّقين؟ إلى متى سنظل متشتتين؟
متى نتّحد؟ متى نكون كما أرادنا الله: (..خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ…)؟ (آل عمران: 110) .
متى نتخلّى عن أنانيةٍ مقيتةٍ مزّقت صفوفنا؟
متى نفيق من غفلتنا، وننهض من كبوتنا، ونستفيق من سُباتنا العميق؟
متى نتحرك؟ وهل يُجدي أن نتحرك بعد فوات الأوان؟
اللَّهُمَّ اجمع شمل أمتنا ووحّد صفوفها واغرس في قلوبنا حبّ الخير لبعضنا واهدنا سُبل السلام، يا ربّ العالمين.
ونقول للمتربصين بنا: “كلنا في خندق واحد، وكلنا على قلب رجل واحد، وكلنا خلف قيادتنا الحكيمة وجشينا المصري الباسل”.. اللهم اجعل مصرنا في أمنك وأمانك وضمانك هي وبلاد المسلمين يا رب.
مجتمعُ الإيمان: تسري في شرايينِه دماءُ الصدق، والمحبَّة.. لا يعرف المكرِ والخداع
الإسلامُ لا يرضى لأتباعِه أن يتغالبَ الناسُ فيما بينهم بالمكرِ والخديعةِ والغدر والخيانة وطعن الناس في ظهورهم والنوايا السيئة؛ لأنَّ مثلَ هذا السلوكِ
– يُفسِدُ القلوب،
– ويُفرِّقُ الصفوف،
-ويُدمِّرُ الثقةَ بين أفرادِ المجتمع.
بل إنَّ الإسلامَ العظيمَ يُرِيدُ مجتمعًا شريفًا نقيًّا، تسري في شرايينِه دماءُ الصدق، والمحبَّة، والوُدِّ، والإخلاص، والنُّبْل، والإيثار.
مجتمعًا يُبنى على الشفافية، ويتعامل أفراده بقلوبٍ صافية، ونفوسٍ مطمئنة، لا مكانَ فيها للغدر، ولا سبيلَ فيها للخيانة.
فلتكنْ قلوبُنا نقيةً كما أرادها الله، ولننشر الصدقَ كما علَّمَنا نبيُّنا، ولنزرع في مجتمعاتنا الخيرَ على الدوام.
الحياة الخاصة
في ميزان الكليات الخمس التي أمر الإسلام بحفظها
من مقاصد الشريعة الإسلامية: (حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)
وكل هذه المقاصد لا يمكن صونها إلا في بيئة آمنة تحترم الخصوصية، وتمنع التدخل السافر في حياة الآخرين.
فمن دخل حياة غيره بغير إذنه، فكأنما اعتدى على أمنه واستقراره وخصوصيته، وهذا يتنافى مع روح الشريعة التي تدعو إلى الحياء، والستر، والعفة، والاحترام.
لذلك دعا القرآن الكريم إلى سلامة المجتمع، وأراد له أن يكون نسيجًا متماسكًا، يعيش أفراده في بيئة يسودها الأمن، وتسري فيها الرحمة، ويعمها الإخاء والتعاون، وتُحترَم فيها الخصوصيات: قال تعالى: (…وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا..) (البقرة:83)، وقال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت: 34)، وقال أيضًا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ. يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ( (الحجرات: 10-13).
ومن أجل تحقيق هذه المقاصد النبيلة، شرع الإسلام عددًا من الآداب والضوابط التي تصون الخصوصية وتحفظ كرامة الإنسان:
– فأوجب الاستئذان قبل دخول البيوت، وما شابهها في الحياة.
– ونهى عن التجسس والتحسس.
– وحرَّم الاطلاع على عورات الناس أو التطفل على حياتهم الخاصة.
– كما أمر بستر العورات وغضّ البصر.
– وحذَّر من الغيبة والنميمة، ومن نشر الأسرار أو كشف ما يُستحيا منه.
وهذه التوجيهات، وإن وردت في سياق النصوص الشرعية، فإنها تمتد في روحها ومعانيها ومراميها ومقاصدها لتحذّر من صور عصرية من خلال التقانات الحديثة لانتهاك الخصوصية – كما سنفصل لاحقًا – مما يدل على عظمة الشريعة وسبقها في حفظ الأعراض والخصوصيات وصيانة المجتمعات.
أيها المسلم الكريم:
إذا أردت السلامة من غيرك فاطلبها في سلامة غيرك منك
سالمِ الخلقَ تسلَمْ فمَن بَذَرَ الاحترامَ حَصَدَ الإِكْرَامَ
إن من أعظم ما يحتاجه الناس في حياتهم اليوم وكل يوم، هو الأمن النفسي والأمان الكامل والسكينة والطمأنينة والهدوء، ولن يتحقق ذلك إلا بـعدة أمور، من بينها:
تربية النفوس تربية إيمانية صادقة على مراقبة الله (تعالى)، والإحسان إلى خلق الله.
تربية الناس على السلام النفسي وعلى سلامة الآخرين من أذاهم.
السعي نحو تحقيق الطمأنينة في النفوس، والسكينة في القلوب، من خلال الوصال الدائم مع الله.
تربية الناس على الرحمة والمرحمة والتراحم والتسامح والتسامي في المعاملات على اختلاف أشكالها وألوانها.
ترسيخ ثقافة المحبة المتبادلة بأن يحب الإنسان لغيره مثل ما يحب لنفسه، وأن يكره لغيره ما يكرهه لنفسه.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما سبق لا يُطلب بالكلام فحسب، بل يُبنى بالفعل، والعمل والسلوك والممارسة المستدامة التي تعد منهاج حياة…
أي: إن كنت تريد من الناس أن يحسنوا إليك فلابد أولا أن تُحسن إليهم، إذ كيف تطلب إحسان الله تعالى إليك وأنت لا تحسن إلى خلق الله؟!.
اجعل سلامة غيرك من أذاك الجسدي والنفسي والمالي والعقدي والصحي… إلخ شعارًا لك في البيت، والشارع، والعمل، والمدرسة، ومواقع التواصل… وتطبيقا حيًّا وقدوة ونبراسا للآخرين في هذه الحياة.
لا تجرح، لا تهمز، لا تلمز، لا تحتقر، لا تسب، لا تؤذِ…
كُن مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، واسع الصدر، كريم المعاملة، طيب الكلمة، وإلا فلن نكون كما أرادنا الله!
فقد حدد الرسول (ﷺ) مواصفات المسلم بقوله : (المسلمُ مَن سلم الناسُ مِن لسانه ويدهِ، والمؤمنُ مَن أمنه الناسُ على دمائهم وأموالهم) ( ).
وقياسا على الحديث الشريف وانطلاقا من مقاصد الشريعة وكلياتها الخمس، نقول ما ورد ضمنًا ومعنى في نصوص أخرى، نقول: وسلم الناس من قلبه ونفسه وعقله وتخطيطه وكيده وغدره وشره وشرهه ومكائده…
إذا أردت ألا يؤذونك، فابدأ بكف أذاك عنهم، وفتش عن ذلك في عقلك.. في قلبك.. في نفسك.. في قولك.. وفي سلوكك…
فتش باستمرار، وتأمل في نفسك باستمرار، وتخلص أولا بأول من العوالق والشواغل والتوافه والشوائب والعشوائيات الفكرية والسلوكية، مهما صغرت أو قلت في نظرك ومنظورك، عندئذ تكون قد وضعت قدمك على المسار الصحيح نحو طريق الله، واعلم أنه كما تدين تُدان، والجزاء من جنس العمل.
رسالة نبوية عاجلة للصلاح والإصلاح
التحذير من إيذاء خلق الله والاعتداء على خصوصياتهم
حذّرنا النبي العظيم من أذى الناس أو تعييرهم أو تتبع عوراتهم، فقال (ﷺ): (يا مَعْشَرَ مَن أسلم بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه، لا تُؤْذُوا المسلمينَ، ولا تُعَيِّرُوهم، ولا تَتَّبِعُوا عَوْراتِهِم، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ، يَتَتَبَّعِ اللهُ عَوْرَتَه ومَن يَتَتَبَّعِ اللهُ عَوْرَتَه يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه) ( ).
الإسلامُ -أيها السادة- كما أشرنا، دِينُ الأخلاقِ الحسَنةِ، أمرَ بحفظِ الأعْراضِ مِن أنْ تُنتَهكَ بالقولِ أو الفعلِ أو الإشارة أو بأي شكل من أشكال التجسس أو التتبع أو غيرها؛ لأنَّه ممَّا يورِثُ العَداوةَ والبَغضاءَ بينَ المسلِمينَ.
وفي هذا الحديثِ يعلمنا النبيُّ (ﷺ) أن الإيمانَ يجبُ أن يكونَ بالجَوارِحِ بعدَما يَصدُقُ ويستَقِرُّ في القلبِ، فتكونُ الأفعالُ والأعمالُ والاستِجابةُ للأوامرِ والنَّواهي دليلًا على هذا التَّصديقِ
وهنا يحذر من: (الغِيبةِ، وتتبُّعِ عوراتِ المسلمينَ)
• الغِيبة فيقول (لا تَغْتابوا المسلِمينَ)، أي: لا تَذكرُوهم في غَيبتِهم بما يَسوءُهم ويُحزِنُهم.
• (ولا تتبِعوا عَوراتِهم)، أي: ولا تتحرَّوْا تتبُّعَ سقَطاتِهم وزَلَّاتِهم، وكشْفَ ما يَسترُونَه عن النَّاسِ من القَبائحِ؛ “فإنَّه مَنِ اتَّبع عَوراتِهم يتَّبِعِ اللهُ عورتَه، ومَن يتَّبعِ اللهُ عوْرتَه يفضَحْه في بيتِه فيكونُ الجزاءُ مِن جِنس العَملِ.
فكُن أيها المسلم مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، نقيًّا في قلبك ولسانك وسلوكك، وفي سائر أمور حياتك…
***
يقول الإمام الشافعي (رضي الله عنه):
إذا شِئْتَ أنْ تَحْيا سَلِيمًا مِنَ الأَذىٰ *** وَحَظُّكَ مَوفُورٌ وَعِرْضُكَ صَيِّنُ
لسانك لا تذكر به عورة أمـــريء *** فكلك عورات وللناس ألســن
وعينك إن أبـدت إليك معايبـا *** فصُنها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح مَن اعتدى *** وفــارق ولكن بالتي هي أحسـن
قصتان تربويتان ملهمتان
يا عبد الله: ترَفَّعْ.. فإنّ لك عند الله مقامًا
في زمنٍ عزَّ فيه الترفُّع، وكثُرت فيه الخصومات، وتطايرت فيه الألفاظ الجارحة، يُذكِّرنا الإسلام بسُمُوِّه ونقائه، ويأمرنا أن نرتقي بأخلاقنا إلى حيث يرضى الله (تعالى) عنا.
القصة الأولى: ماذا فعل أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) مع الرجل الذي سابّه؟
في يوم من الأيام، كان أبو بكرٍ الصديق (رضي الله عنه) جالسًا مع سيدنا رسول الله (ﷺ)، فجاء رجلٌ وسبَّ أبا بكر وشتمه، والنبيُّ (ﷺ) صامتٌ، وأبو بكر ساكتٌ لا يرد.
فلما زاد الرجل في سبابه، رد عليه أبو بكر ببعض ما قال، فإذا برسول الله (ﷺ) يغضب ويقوم.
تعالوا بنا نرى ما حدث…
فعن أبي هريرة (رضي الله عنه): أنَّ رجلًا شتَم أبا بكرٍ والنبيُّ (ﷺ) جالسٌ، فجعلَ النبيُّ (ﷺ) يعْجبُ ويبتسمُ
فلما أكثر -الرجل مِن تطاوله- ردَّ عليه -أبو بكر- بعضَ قولِه
فغضِبَ النبيُّ (ﷺ) وقام.
فلحقَه أبو بكرٍ فقال يا رسولَ اللهِ: كان يشتِمُني، وأنت جالسٌ، فلما رددتُ عليه بعضَ قولِه، غضِبتَ وقمتَ، قال (ﷺ): (إنه كان معك ملَكٌ يَرُدُّ عنك، فلما رددتَ عليه بعضَ قولهِ وقع الشَّيطانُ -أي حضر- فلم أكن لأقعدَ مع الشَّيطانِ) ثم قال يا أبا بكرٍ: (ثلاثٌ كلُّهنَّ حقٌّ:
• ما من عبدٍ ظُلِمِ بمظلمةٍ فيُغضِي عنها للهِ عزَّ وجلَّ إلا أعزَّ اللهُ بها نصرَه
• وما فتح رجلٌ بابَ عطيةٍ يُريدُ بها صِلةً إلا زادهُ اللهُ بها كثرةً
• وما فتح رجلٌ بابَ مسألةٍ يُريدُ بها كثرةً إلا زادَه اللهُ بها قِلَّةً) ( ).
ويا لها من تربية نبوية راقية…
الدروس والعبر:
نتعلم مما سبق:
أن الصمت في مثل هذه الأمور عبادة عظيمة، والملَك يتكفّل بالرد عنك.
وأن الرد بالمثل قد يُنزِل الإنسان من مقام إلى مقام أدنى.
وأن السكوت والتجاهل والتسامي والتغافي في المواقف الاستفزازية، ليس ضعفًا، بل قوة وحكمة.
القصة الثانية: ماذا فعل أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه) مع الرجل الذي عيَّره بأمه؟
وفي موقف آخر، وقع أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه) في خطأ، فعَيَّر رجلًا بأمه، ويبدو أنه قال له: يا ابنَ الأعجميةِ أو يا ابنَ السوداءِ، أو نحوَ ذلِك، فلمَّا علِمَ النبيُّ (ﷺ) بذلِك وبَّخَه على ذلك.
وقال له مُنكِرًا عليه: (أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟!) أي: شَتمْتَه ونَسَبْتَه إلى العارِ بأُمِّه…
(إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ) ذلك لأن السبّ والشتْم والتعيير صِفةٌ مِن صِفاتِ الجاهليَّةِ… إلخ.
تعالوا بنا نعرف الحكاية من البداية إلى النهاية… فعن المَعرور بنُ سُوَيْدٍ (رضي الله عنه) قال: لَقِيتُ أبَا ذَرٍّ بالرَّبَذَةِ ( )، وعليه حُلَّةٌ ( )، وعلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ( )!
فَسَأَلْتُهُ عن ذلكَ.
فَقالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بأُمِّهِ.
فَقالَ لي النبيُّ (ﷺ): (يا أبَا ذَرٍّ أعَيَّرْتَهُ بأُمِّهِ؟ إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فأعِينُوهُمْ) ( ).
النبي المُربي:
قال له النبيُّ (ﷺ) مُعلِّمًا ومُؤدِّبًا ومُعرِّفًا حقوقَ الخَدمِ: (إخوانُكم) مِن المُسلِمينَ هُم إخوانُكم في الدِّينِ (خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تَحتَ أيدِيكم)، أي: خَدَمُكم يَلُونَ أُمورَكم ويُصلِحونها، جَعَلَهم اللهُ (سُبحانه وتعالَى) تحتَ سُلطانِكم… إلخ النصائح النبوية البانية للقلوب والمجتمعات..
تطبيق عملي وسريع:
فلمَّا سَمِعَ أبو ذرٍّ (رَضيَ اللهُ عنه) هذا الحديثَ مِنَ النبيِّ (ﷺ) كان يُلبِسُ خادِمَه ثِيابًا مِثلَه، كما رآهُ المَعرورُ بنُ سُوَيْدٍ في الرَّبَذَةِ عليه حُلَّةٌ، وهي ثَوبانِ: إزارٌ وَرِداءٌ، وعلى خادِمِه حُلَّةٌ؛ امتثالًا لِمَا سمِعَه مِنَ النبيِّ (ﷺ).
الدروس والعبر:
هذه القصة تؤكد:
أن التمييز العنصري أو التفاخر بالأصل أو النسب أو المال أو الجاه ليس من الإسلام، بل من بقايا الجاهلية.
أن سيدنا النبي (ﷺ) واجه أبا ذر (رضي الله عنه)، على الرغم من مكانة أبي ذر، واجهه بكلمة قوية مدوية (إنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ)؛ لتقويمه من ناحية، وتعليم الصحابة والمسلمين في كل مكان وزمان من ناحية أخرى.
وهذا يدل على قوة الحق، وحرص الإسلام على التطهير التام للقلوب من كل تعالٍ واستعلاء.
ونتعلم مما سبق:
– ألا نتستهين بالكلمة، مهما صغرت في نظرنا.
– وألا نستعلي على الناس بجنس أو لون أو نسب، فكلنا عباد الله، ولا فضل لأحدٍ على أحد إلا بالتقوى.
– ونتعلم جبر الخاطر.
– وسرعة العودة إلى الله، وإلى الصواب بعيدا عن الكِبر والغرور.
ونستلهم من القصتين:
أن الإسلام يُرَبّي أتباعه على نقاء القلب، وصفاء النية، وترك العصبية، والصبر عند الأذى، والتواضع، وكظم الغيظ، والتغافل…إلخ، فمن أراد أن يكون على خُطى الحبيب (ﷺ)، فليحذر من الرد على السباب، أو التفاخر، أو احتقار الآخرين. فقد أثْنَى اللهُ تعالى على الكاظِمينَ الغيظَ والعافِين عِن النَّاسِ، وأحبَّهم بإحسانِهم قال تعالى: (۞ وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران: 133-136) .
وعن معاذ بن أنس (رَضيَ اللهُ عنه) أن النبي (ﷺ) قال: (مَن كَظَمَ غَيظًا وهو قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَه، دَعاهُ اللهُ تبارَك وتعالَى على رُؤوسِ الخَلائقِ حتى يُخَيِّرَه مِن أيِّ الحُورِ شاءَ) ( ).
مظاهر إيذاء الناس
أولًا: مظاهر إيذاء الناس بالقول
ثانيا: مظاهر إيذاء الناس بالفعل
ثالثًا: مظاهر إيذاء الناس بالإشارة
رابعًا: مظاهر إيذاء الناس بالإيماءة
خامسًا: مظاهر إيذاء الناس بالتقنيات الحديثة
سادسًا: مظاهر إيذاء الناس في غيابهم
سابعًا: مظاهر إيذاء الناس في حضورهم
ثامنًا: مظاهر الاعتداء الكبرى
تاسعًا: مظاهر الاعتداء الأقل
من صور التعدي على خصوصيات الناس في عصرنا الحالي
من فقه التقنية
50 قاعدة تحمي حياتكم واستقراركم
من مخاطر الهاتف الجوال( ).
يُعدُّ اختراع الهاتف الأرضي “الثابت”، ثم الهاتف المحمول “الجوال”، نقطة تحول، وحدثًا محوريًّا في تاريخ البشرية، وفي حياة الناس؛ فلقد أسهم هذا الاختراع المهم في تقريب المسافات، وسرعة التواصل، وتناقل الأخبار، وتبادل المعلومات، ونشر الخبرات بشكل سريع ويسير، ومن ثَمَّ الإسراع في قضاء حوائج البشر؛ ليصبح من الأدوات الضرورية في حياة الناس. ولقد تحولت الكرة الأرضية بعد هذا الاختراع إلى قرية صغيرة، حيث يمكن للشخص بضغطة زر أن يتواصل مع مَن يُريد حول العالم، إما: (صوتًا، أو محادثة عبر الكتابة والرسائل Chat، أو صوتًا وصورة…إلخ).
ونظرًا للأهمية البالغة للهاتف في الحياة -إذ لم يَعُد يُتَصوّر أن يعيش الإنسان بدونه- ودخوله في شتى مجالات الحياة، وتطوره بحيث أصبح جهاز الهاتف قادرًا على نقل أدق التفاصيل إلى العالم، بما فيها خصوصيات الحياة، فكان من الضروري وجود قواعد، وآداب، وأخلاقيات تنظم استخداماته، ومدونة سلوك تستثمر فوائده وتعظمها، وتقضي على السلبيات التي قد تنجم عن استخداماته الخاطئة؛ من أجل حماية الفرد، والأسرة، والخصوصيات، والقيم، والمجتمع، ومن ثَمَّ نستفيدُ من منافعه، ولا يكون سببًا في تعكير صفو الحياة، أو أن يكون معول هدم في جدارها، أو أن يكون سببًا في إضاعة وقت الناس وتعطيل مصالحهم وأشغالهم.
وعلى المستوى الشخصي: لي أصدقاء كُثُر في كثير من الدول الغربية المتقدمة أتواصل معهم في أمور علمية واجتماعية وغيرها منذ عقود عبر الوسائل المتاحة لكل عصر، وفي الوقت الراهن عندما أرسل رسالة لبعضهم؛ فربما لا يراها الشخص منهم إلا بعد ثلاثة أيام أو أكثر!، وعندما أعتب عليهم أنهم لا يردون على رسائل whatsapp الواتس آب، أو غيرها، سريعا –كما هو الحال عندنا-، فيعتذرون بمنتهى الأدب، ويقولون: إننا مشغولون في أعمالنا، وربما لا نلتفت إلى برامج المحادثة Chat إلا مرتين أو ثلاثة في الأسبوع، ولمدة عشر دقائق سريعًا سريعًا حتى لا تصرفنا عن أعمالنا!!.
وبالتالي فإن الهاتف -في نظر مَن صنعوه ونشروه يجب أن يكون كذلك- وسيلة لقضاء المصالح فقط، وليس كما يستخدمه كثير من الناس عندنا!!.
وهكذا فإننا في حاجة ماسة إلى رؤية تجديدية تمكننا من تطبيق قيم الإسلام، ومبادئه، وأخلاقه النبيلة على المستجدات التقنية، والفكرية، والسلوكية، برؤية تربوية حضارية معاصرة؛ تحافظ على ثوابت الإسلام الحنيف وعلى قيمنا الثقافية والاجتماعية، وتتوافق مع المستجدات، وتتناغم مع طبيعة المرحلة، وطبيعة النشء والشباب وتؤثر فيهم تأثيرًا إيجابيًّا.
وفي السطور التالية نذكر أهم القواعد والآداب المتعلقة باستخدام الهاتف المحمول، والتي اجتهدنا (على مدار ثلاثة أشهر) في كتابتها وصياغتها، من خلال روح المنهج الإسلامي العظيم، ومن القواعد الأخلاقية والتربوية والسلوكية المستندة نبعًا ونشأة إلى ثقافتنا وهويتنا العربية والإسلامية، كخير أمة أخرجت للناس، كما وصفها الخالق العظيم، القائل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..) (آل عمران: 110)، وكذلك المستمدة من القيم الإنسانية، وذلك على النحو الآتي:
أولًا، الواجبات:
1. يجب استخدام الهاتف في الأمور الضرورية فقط؛ تجنبًا لإضاعة وقتنا ووقت الناس، وإفساح المجال للناس للتفرغ لأشغالهم وحياتهم، وأيضا للحد من آثار ذبذباته السلبية على الجسم وعلى الدماغ.
2. يجب اختيار الوقت المناسب، والظرف المناسب، والمكان المناسب للاتصال، ومن ثَمَّ لا يجوز -مثلا- أن أتصل بشخص في وقتٍ متأخرٍ جدًّا، أو في وقتٍ مبكرٍ جدًّا، أو في وقتِ راحته وسكونه ونومه؛ حتى لا أسبب له فزعًا، أو هلعًا، فهناك أوقات لا يكون فيها الاتصال إلا للضرورة القصوى، كالتحذير من أمر خطير، مثل: تسرب غاز، أو نشوب حريق، أو تصدع بنيان -لا قدر الله- أو الإبلاغ عن وفاة أحد المقربين… وهكذا؛ فإن الاتصال في أمر عادي في مثل هذه الأوقات يمثل إزعاجًّا وإرباكًّا نفسيًّا وفكريًّا وجسمانيًّا للمتَّصَل به وربما لأهل بيته، كما أن ذلك يُعدّ خُروجًا عن اللياقة.
3. يلزم على المتَّصِل في بداية المكالمة أن يستأذن المتَّصَل به، كأن يقول له مثلا: هل يمكنني الحديث مع حضرتك الآن لمدة ثلاث دقائق مثلا؟ أو أن الظرف غير مناسب؟ ومن ثَمَّ اتصل بك في وقت آخر؟، وهكذا.
4. يجب أن أستهل المكالمة الهاتفية بصوت حانٍ، وبكلمات مختصرة، تبعث الراحةَ والسكينةَ والطمأنينةَ في قلب الطرف الآخر. وفي الوقت نفسه أُنهي المكالمة بما يبعثُ السرورَ للآخر، والدعاء له.
5. يجب تقليل استخدام الهاتف عمومًا على مدار اليوم إلى الحد الأدنى؛ حتى تتفرغ لأعمالك، وأشغالك، وعبادتك، وأورادك، وتأملاتك… إلخ، ومن ثَمَّ يجب أن يُعطِي الإنسانُ لنفسه الفرصةَ، للخلاص من أسر مثل هذه الأجهزة…
6. يجب التقليل من استخدام الهاتف أثناء أوقات العمل الرسمية، ولا يكون استخدامه إلا في المكالمات الضرورية، واقتصارها إلى حدها الزمني الأدنى؛ حفاظًا على وقت العمل باعتبارها من الأمانات التي سنحاسب عليها أمام الله تعالى، وعدم تعطيل مصالح الناس.
7. يجب عليك عندما تدخل المسجد أو دور العبادة أو أروقة العلم، أن تعطل إشعارات الهاتف، كأن تجعله على الوضع الصامت، أو تغلقه؛ احترامًا لحرمة المكان، وحتى لا تنشغل بغير ما ذهبت إليه.
8. يجب أن أتصل بالشخص الذي أرغب في الحديث معه من هاتفي الشخصي المعروف والمسجل لديه، وأترك له حرية الرد من عدمه وفقًا لظروفه؛ فلربما يكون مشغولا أو في حالة مزاجية أو نفسية لا تمكنه من الرد، مع الأخذ في عين الاعتبار أن الإلحاح بالاتصال -وربما يكون في هذه الحالة- يأتي بنتائج عكسية، وربما أدى إلى ضعف الأواصر، فالناس لها طاقات وقدرات، والضغط عليهم يتسبب في قطع الصِّلات والعلاقات.
9. يجب أن يُستخدم الهاتف في أضيق الحدود، ولا يسمح للصغار بامتلاك هاتف خلوي إلا بعد النضج، ووقتها يسمح لهم باستخدامه لساعات محددة.
10. يجب احترام الخصوصية أثناء تقديم واجب العزاء مثلا، ويحظر استخدام كاميرا الهاتف في تسجيل لحظات الحزن وألم الفراق عند فقد عزيز.
11. عند تعرض بعض الناس للخطر، فيجب على الجميع الإسراع لنجدتهم، وتقديم الدعم والمساندة والمساعدة؛ إذ ليس من المروءة ما يفعله بعض الناس من ترك الناس تهلك، وينشغلون بتصويرهم عبر كاميرات الهواتف!
12. يجب على الشخص عند التحدث مع مسؤول عبر الهاتف، أن يعرض مشكلته بشكل موضوعي، ذلك أن كثيرا من الناس يرون أن مشكلتهم الشخصية أكبر مشكلة في العالم، والواقع غير ذلك، ومن ثَمَّ فعلى الشخص أن يعلم أن ما يشغل بال المسؤول هو علاج المشكلات العامة، التي تخص جموع الناس، ومن ثَمَّ يجب أن يكون منطلقه في الحديث مع المسؤول نابعا من هذا الفهم، هذه واحدة. والثانية عند الاتصال بالمسؤولين، يجب أن نختصر في المكالمة جدًّا، وننتقي الكلمات بمنتهى الدقة والعناية والوضوح، ويُحسن بالمتصِل أن يكتب العناصر أو الموضوعات الأساسية للمكالمة في ورقة خارجية؛ حتى لا يفوته شيء مما يريد الحديث فيه، فيندم أو يعيد الاتصال من جديد.
13. يجب مراعاة شروط السلامة والأمان عند إنشاء محطات تقوية شبكات الهاتف المحمول؛ حيث إنها تشع موجات قصيرة المدى، ضارة بحياة الإنسان.
ثانيا: المحظورات
14. لا تترك هاتفك مفتوحًا أو تتركه فريسة للعبث به من الآخرين؛ إذ يجب الحفاظ عليه من العبث؛ حتى لا يستخدمه أحد بدون علمك، ومن ثَمَّ فقد تحدث مشكلات صغرى أو كبرى من خلاله، على حسب نوع العبث؛ كأنْ يدخل شخص من خلال هاتفك مواقع إلكترونية مشبوهة، ويقوم بعمل إعجاب بها أو متابعة لها، أو يُعلق عليها، ويستخدمها الآخرون ضدك، أو يرسل رسائل فردية أو جماعية تتضمن إساءات أو سب وقذف لأشخاص، ومن ثَمَّ يعودون عليك قضائيًّا.
15. يُمْنَع تصدير الطاقة السلبية للآخرين، من خلال الصوت، أو التجهم، أو طريقة الكلام.
16. يُمْنَع الإمساك بهواتف الآخرين في غيبتهم، أو في حضرتهم، إلا بعلمهم، وإذنهم.
17. لا تتحدث مع أي شخص بجوارك أثناء المكالمة، وتترك الطرف الثاني للمكالمة معلقًا على الهاتف بدون استئذانه؛ إذ ليس من اللائق فعل ذلك.
18. يُمْنَع منعًا باتًّا أن يقوم أحد طرفي المكالمة (المتصل أو المتلقي) بتسجيل المكالمة من دون علم الطرف الآخر، ولا يجوز ذلك إلا بالحصول على موافقته وإذنه الصريح على التسجيل.
19. يُمْنَع إسماع الآخرين صوت مَن تتصل به، كأن تُشغل مكبر الصوت (الاسبيكر)، ولا يجوز ذلك إلا بعلمه وإذنه.
20. عندما تتصل بشخص ولم يرد عليك، فلا تتصل به من رقم غريب حتى يرد، فهذه الطريقة تُسقط فاعلها في عين الطرف الثاني، وقد تجعله لا يرد على أي رقم غريب، وذلك يؤدي إلى تعطيل مصالح الناس.
21. يُمْنَع إطالة زمن المكالمة؛ من دون سبب جوهري، حيث إن تطويل المكالمة يسبب أضرارًا للطرفين، ويستنزف الوقت والمال، ويؤدي إلى ضعف إقبال الطرف الثاني عليك، وإلى عدم رغبته في الحديث معك مستقبلا، أما إذا كانت المكالمة قصيرة، ومُركزة، ودقيقة، ومعبرة عن المطلوب بعبارات قليلة، ازددت مكانة في عين مَن اتصلت به؛ لأنك حافظت على وقته، ومن ثَمَّ تصبح المكالمات بينكما فيما بعد سهلة وميسرة.
22. لا يصح وأنت تتحدث هاتفيًّا مع شخص معين من الناس، أن تعطيه شخصًا آخر فجأة، وتقول له: فلان معك!، فقد يكون غير مستعد، وغير متأهب للحديث معه، ومن ثم تتسبب له في إحراج أو إرباك.
23. يُمْنَع إرسال رسائل للآخرين في وقت متأخر من الليل، أو في وقت مبكر، إلا للضرورة القصوى، حيث إن إشعارات الرسائل، تسهم في إحداث قلق للآخرين.
24. لا تُدخِل أحدًا في مكالمة جماعية بدون إذنه، ومن ثَمَّ يجب استئذانه، وموافقته، وإعلامه على وجه الدقة بكل أطرافها، وموضوعها قبل المكالمة.
25. لا تعطي رقم هاتف أي أحد لأي أحد إلا بإذنه، لا سيما أرقام المسؤولين.
26. لا تتصل بالمسؤولين إلا للضرورة القصوى، حيث إنهم في أمس الحاجة لكل دقيقة من أجل إنجاز أعمالهم التي تستهدف خدمة الصالح العام، وعلاج عشرات المشكلات.
27. يَحْرُم سرقة “تهكير” شبكات الإنترنت WiFi وما شابه ذلك، ففي هذا الأمر مخالفات أخلاقية وشرعية متعددة، ويُعدُّ تعدّيًا على حقوق الآخرين.
28. يُحْظر التفتيش في هواتف الآخرين، أو الاطلاع على أسرارهم بغير إذنهم، كما يُحْظر البحث عن العثرات بين الأزواج؛ لأن ذلك يُضعف الثقة بينهما، ثم يمحوها، ومن ثَمَّ تتحول الحياة إلى جحيم، وقد يؤدى ذلك إلى هدم كيان الأسرة برمته.
29. يُمْنَع استخدام الهاتف المحمول أثناء قيادة المركبات؛ حفاظًا على الأرواح؛ لأنه يشتت الانتباه، ويقلل التركيز أثناء القيادة، إضافة إلى ذلك فلربما تلقى السائق مكالمة هاتفية تتضمن خبرًا خطيرًا أو مُفزعًا أو مُحزنًا، يتسبب في انعدام تركيزه، الأمر الذي قد يُسببُ أضرارًا وإضرارًا بالآخرين.
30. البعد التام عن الكذب في الهاتف -وغيره-، فبعض الناس يحاولون الهروب من التزامات معينة، فيكذبون أثناء المكالمات، ويقولون: إننا في سفر، أو في أماكن بعيدة. وربما كانوا بجوار مَن يحدثونهم كما حدث صدفة مع عدد مِن الناس! ومن ثَمَّ يتعودون على الكذب تدريجيًّا، ثم يدمنونه شيئًا فشيئًا، فيتحول الشخص إلى كذَّاب والعياذ بالله.
31. يَحْرُم استخدام الهاتف -وغيره- في الولوج أو الدخول إلى المواقع المحرمة أو المشبوهة، وكذا يحرم استخدامه في نشر العشوائيات الفكرية أو السلوكية، أو نشر الشائعات.
32. احذر أن يَجُرّك الهاتف إلى آفة الغِيبة والنميمة، وتذكر كلَّما هممت بفتح شاشة الهاتف أن صاحب الغِيبة مفلس يوم القيامة، وأن الله لا يغفر له؛ حتى يعفو عنه الذي وقعت عليه الغِيبة، وأن النميمة حرام تحرم الواقع فيها المقيم عليها من الجنة، وتوجب له النار والعياذ بالله؛ لأنه سعى في قطع ما أمر الله به أن يوصل، ويفسد في الأرض.
33. يُمنع تصوير أحد بكاميرا الهاتف أو غيرها خلسة، أو بدون علمه، ولا يجوز ذلك إلا بإذنه.
34. احذر أن يشغلك الهاتف عن القراءة والكتابة، فعندما تسافر إلى الخارج تجد كلَّ واحد منهم سواءً في الطائرة، أو القطار، أو المترو في يده كتاب… أما لدينا فلن تجد في أيديهم إلا الجوالات والهواتف التي كادت أن تعمي أعين الناس وقلوبهم من إدمانها.
35. يحذر شحن بطارية الهاتف بجوار السرير أثناء النوم، ومن ثَمَّ يجب وضع الهاتف على الشاحن خارج حجرات النوم؛ لتجنب الإشعاعات الضارة الصادرة منه.
36. يحرم استخدام الهاتف في أي نشاط محرم ومُجرَّم كالغش في الامتحانات… وغيره.
ثالثا: التنبيهات
37. إذا اتصلت بأحد ووجدته مشغولا؛ فهذا شيء جيد بالنسبة له، فمن المؤكد أنه يقوم بعمل مهم ومفيد له أو للآخرين؛ فلا تضغط عليه بكثرة الاتصال؛ حتى لا تعطله وتقطعه عن أشغاله.
38. عندما ترغب في الاتصال بشخص ما: اتصل به مرة واحدة، فإن رد عليك فبها ونعمت، وإن لم يرد، انتظر حتى يتصل هو. وإن كان الاتصال بخصوص أمر مهم وعاجل؛ يمكنك أن تتصل به مرتين؛ للتنبيه على أن الموضوع مهم. أما إن كان الأمر في غاية الأهمية؛ فاتصل به ثالثة. وإن كان الأمر يمثل خطورة؛ فكرر الاتصال مع التمهل؛ حتى تعالج الأزمة… وهكذا.
39. في حالة انقطاع الاتصال أثناء المكالمة، فإن المُتَّصِل هو مَن يُعيد الاتصال، وعلى المُتَّصَل به أن ينتظر؛ حتى لا يتصل هذا ويتصل ذاك، ومن ثَمَّ تظل الخطوط مشغولة ويضيع الوقت هباءً، أما إذا لم يتصل المُتَّصِل الأول بعد خمس دقائق مثلا: فينبغي على الطرف الثاني أن يبادر هو بالاتصال، فلربما يكون رصيد مكالماته قد نفد.
40. إذا كنتَ في حالة مزاجية سيئة؛ فلا ينبغي عليك استخدام الهاتف من الأساس وأنت في مثل هذه الحالة، وتريث إلى أن تصبح في وضع نفسيٍّ ومزاجيٍّ طبيعيٍّ، يسمح لك بالأخذ والرد والنقاش؛ حتى لا تتسبب في نقل طاقتك السلبية للآخرين، أو تتسبب في قطع العلائق، وهنا ارتكاب أخف الضررين بعدم الاتصال أو عدم الرد، أفضل من الرد بما يسبب ضررًا للآخر لو معنويًّا. وفي حالة شعورك بأن الطرف الآخر مشغول، أو مُرهق، أو مُتْعَب؛ وجب عليك أن تبادر بإنهاء المكالمة فورًا وبعبارات لطيفة.
41. من حق أي إنسان أن يشترى ما يشاء من أجهزة الجوالات الغالية والفارهة، في حين يُحظر التباهي بها أمام الآخرين؛ حتى لا تتسبب في كسر خاطر غير القادرين، كما أن المباهاة بالأجهزة الغالية تسهم في تحريك نوازع الشر لدى ضعاف النفوس نحو السرقة.
42. انتق كلماتك بعناية، وابتعد تمامًا عن الكلمات الخشنة أو المؤلمة، وتجنب العتاب عمومًا، والعتاب المؤلم خصوصًا؛ لأنه من الصوارف التي تصرف الناس عنك، كأن تقول لمن تتصل به: اتصلتُ بك ولم ترد عليَّ، وبعثت لك رسالة ولم ترد! وفي كل مرة تردد مثل هذه العبارات المؤلمة للآخر؛ فينصرف عنك ويكره الحديث إليك.
43. اجتهد في إيصال ما تريده في المكالمة مع الطرف الآخر بعبارات قليلة، وفي وقت أقل؛ فلا تكرر الكلام ولا تعيده إلا للضرورة.
44. التمس الأعذار للناس عند عدم ردهم على اتصالك، فإذا اتصلت بأحد، وقابلك بغلق الاتصال “كنسل عليك”؛ فلا تكرر الاتصال به، وتمهل عليه، فلربما يكون مشغولا، أو في محاضرة، أو في لقاءٍ مباشر، أو أن بطارية جواله أوشكت على النفاد، أو أنه في انتظار مكالمة مهمة.
رابعا: التفضيلات
45. من المفضل: استخدام الرسائل المكتوبة قبيل الاتصال، مثلا: أرسل رسالة قصيرة Chat لمن أريد الاتصال به -لاسيما الاتصال بالمسؤولين ومَن على شاكلتهم-، تتضمن باختصار ما أريد التحدث بشأنه، من باب التمهيد والاستئناس قبيل الاتصال.
46. ينبغي أن تتصل بمَن اتصل بك، ولم تستطع الرد عليه بسبب انشغالك أو نومك أو عدم قدرتك على الرد، بأن تتصل به حالما يتاح لك ذلك، ويفضل أن يكون ذلك سريعًا.
47. ينبغي على الرجال أن لا يتصلوا بزميلات العمل لا سيما في بيوتهن؛ لأنَّ مثل هذه الاتصالات قد تُشعل البيوت، وتُشغل العقول بالباطل.
48. يفضل عدم الاتصال بأمور العمل إلا في وقت العمل، والاستثناء لا يكون إلا للضرورة، أو كانت طبيعة العمل تقتضي ذلك.
49. لا ينبغي الاتصال بالشخص في أوقات الإجازات أو الراحات، بل تتركه يستمتع بإجازته.
50. الدقائق المجانية التي تأتيك بين الحين والآخر هدية من شركات الاتصالات، أو تلك التي يرسلها لك أحد الأصدقاء، والمحددة بوقت معين يلزم استخدامها فيه، استخدمها بالضوابط السابقة، وخيرٌ لك ألا تستخدمها، من أن تستخدمها في تعطيل مصالح الناس وإشغالهم. فبعض الناس مثلا تأتيه 90 دقيقة هدية مجانية يجب استخدمها خلال 24 ساعة، فيتصل بأحد الناس “الضحية” ويُصر على استخدامها كاملة معه في أي كلام، وهو غير عابئ بمآلات الوقت الضائع، وتعطيله عن عمله ومصالحه وأشغاله وعياله.
كلمة أخيرة هنا: الهاتف نعمة من نعم الله تعالى على الإنسان، فلنستخدمه في الأعمال والأشغال والمصالح، وللصالح العام والخاص بالضوابط التي تُعَظِّم من منافعه، وتقضي على مخاطره وأضراره، ولنحذر من أن يكون سببًا في إضاعة العمر فيما لا ينفع، وسببًا في استنفاد الأوقات فيما لا فائدة منه، ولنتذكر دوما حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟) ( ).
أخي المسلم الكريم اجعل شعارك: (سلامةُ الناس من أذاي، دليلٌ على تمام إيماني).
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وطهر ألسنتنا من الأذى، وقلوبنا من الحقد، وأيدينا من الظلم، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، واجعلنا من الذين يسلم الناس من ألسنتهم وأيديهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.أيها الأخوة المؤمنون: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمدًا (ﷺ) رسولُ الله.. عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله.. يقول الحق (تبارك وتَعَالَى): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: 102) .
بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا يَسُوقُ الْخَيْرَ إِلَّا اللَّهُ. بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا اللَّهُ. بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، مَا كَانَ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ. بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. أما بعد
فقهُ الاستئذانِ
ومقاصدُهُ وتطبيقاتُهُ المعاصرةُ
ونحن نتحدث عن سلامة الإنسان وسلامة المجتمعات في إطار منهج الإسلام في رعاية الحياة الخاصة والعامة، فلابد لنا من وقفة نتأمل فيها فقه الاستئذانِ ومقاصده وتطبيقاته المعاصرة
الاستئذان قيمة من القيم المهمة التي أكد عليها ديننا الحنيف، فهو يحفظ البيوت من انكشاف عوراتها، ويمنع إفشاء الأسرار، كما أن عدم الاستئذان قد يكون سببًا في الوقوع في المحرمات –والعياذ بالله– يقول تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا) (الحجرات: 12). لقد أفرد القرآن الكريم آيات عدة لقيمة الاستئذان؛ نظرًا لأهميته الكبيرة، ومنها قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النور: 27).
مراحل الاستئذان:
والاستئذان يمر بثلاث مراحل:
1- الاستئناس: أي اختيار الوقت المناسب وعدم الإزعاج.
2- إلقاء التحية والسلام.
3- طلب الإذن: وهو الأساس في هذا الأدب الرفيع.
مواطن الاستئذان في الحياة اليومية:
فالاستئذان يدل على حياء صاحبه، وشهامته، وحسن تربيته، وجلال عفته، ولا يقتصر على دخول البيوت والمجالس فقط، بل يشمل مختلف مجالات الحياة، ومنها:
الاستئذان عند دخول البيوت أو الغرف المغلقة، حتّى لا يتفاجأَ أهلُ المنزلِ، أو يكونوا في موقفٍ غيرِ مناسبٍ لاستقبالِ الزُّوّار.
الاستئذان عند عيادة المريض، مراعاةً لحالته الصحية وراحته، فقد يكون غير مستعد لاستقبال أحد، أو ربما لا يريد أن يراه أحد في هذه الحالة.
الاستئذان عند الدخول إلى أماكن العمل أو المجالس العامة، احترامًا لخصوصية النقاشات الجارية أو انشغال الآخرين.
الاستئذان عند تغيير المسار أو الطريق أثناء قيادة السيارة عبر إشارة السيارة المتعارف عليها، وهو نوع من الاحترام والالتزام بقواعد المرور لتجنب الحوادث.
الاستئذان عند التحدث في موضوع خاص مع شخص آخر، حتى لا يتم التطفل على أمور شخصية.
الاستئذان عند الاقتراب من الأطفال أو النساء حفاظًا على خصوصيتهم واحترامًا لمشاعرهم.
الاستئذان عند استخدام أشياء تخص الآخرين، كاستعارة كتاب أو هاتف أو أي ممتلكات شخصية، حتى لا يُسبب ذلك إزعاجًا أو إحراجًا.
الاستئذان عند التنقل في وسائل النقل العامة، مثل طلب المرور من شخص جالس أو تغيير المقعد.
ضرورة نشر ثقافة الاستئذان:
إننا في حاجة ماسة إلى نشر ثقافة الاستئذان في جميع مناحي الحياة، وتعويد الأطفال عليها منذ الصغر، وإدراجها ضمن المناهج التعليمية، وكذلك التأكيد عليها في التوجيهات الدينية في المساجد، وعبر وسائل الإعلام والدراما. وقد أمرنا الله (تعالى) بتعليم الأولاد هذا الأدب الرفيع، فقال: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) (النور: 59).
توجيهات نبوية في أدب الاستئذان:
حرص الإسلام على تنشئة المسلم على هذا الخلق القويم، ومن ذلك ما جاء عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: “جاء رجل فقام على باب النبي ﷺ يستأذن مستقبِلًا الباب، فقال له النبي ﷺ: (هكذا عنك، فإنما الاستئذان من أجل البصر) ( ).
أهمية الاستئذان في الإسلام:
حرص الإسلام على تنظيم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، ومن ذلك وضع آداب الاستئذان، لما له من فوائد عظيمة، منها:
– حفظ الحرمات وصيانة الأعراض.
– تجنب الإحراج والوقوع في المواقف غير المناسبة.
– إشاعة الاحترام والتقدير بين الناس.
– المحافظة على خصوصية الأفراد وأسرار البيوت.
– تعويد النفس على النظام والانضباط في التعامل.
آداب الاستئذان:
وقد وضع الإسلام آدابًا للاستئذان، منها:
اختيار الوقت المناسب.
طرق الباب بلطف دون إزعاج.
الوقوف بعيدًا عن مدخل الباب وعدم التلصص.
التعريف بالنفس عند الاستئذان، وعدم الاكتفاء بقول “أنا”.
تكرار الاستئذان ثلاث مرات، فإن لم يُؤذن له، فليرجع دون إلحاح.
قال تعالى:(فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (النور: 28).
وإن أُذِن للإنسان بالدخول، فليدخل بفرح وسرور، مع إلقاء السلام.. ادخلوا مستبشرين فرحين امتثالًا لقوله تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) (النور: 61).
الاستئذان في الاتصال الهاتفي:
إن الرنين المتكرر للهاتف دون توقف يشبه الطرق المستمر على الباب، وهو أمر مزعج وغير مقبول. لذا، يجب على الإنسان أن يتحلى بالذوق، فلا يلح في الاتصال بشكل متتابع، بل ينتظر فترة كافية، فإن لم يُجَب، فليتفهم أن الشخص قد يكون مشغولًا أو مهموما أو مريضا فارحموا الناس وارفقوا بهم وابتعدوا عن كثرة إزعاجهم.
الاستئذان وأثره على المجتمع:
إذا انتشر الاستئذان بين أفراد المجتمع، فإنه يسهم في تحقيق القيم الإيجابية وحماية الخصوصيات وترسيخها، ومن ثم حماية القلوب والحياة، ومن ذلك أيضا:
– تعزيز الاحترام والتقدير بين الناس.
– تقوية العلاقات الأسرية والاجتماعية.
– نشر الأمان والراحة النفسية في المجتمع.
– الحد من المشكلات الاجتماعية الناتجة عن التطفل وانتهاك الخصوصية
كيف نغرس ثقافة الاستئذان في الأطفال؟
التعليم بالمثال: يجب أن يرى الطفل والديه يلتزمان بالاستئذان، حتى يتعلمه منهم عمليًّا.
استخدام القصص: يمكن سرد قصص عن أهمية الاستئذان بأسلوب مشوق يناسب الأطفال.
المكافأة والتشجيع: عند التزام الطفل بالاستئذان، يجب تشجيعه بالكلمات الطيبة أو المكافآت البسيطة.
إدراج الاستئذان في المناهج الدراسية: لتعزيز هذه القيمة في الأجيال القادمة.
وهكذا فالاستئذان أدب عظيم يعكس رقي الأخلاق وحسن التعامل، وهو سبب في حفظ الحرمات، وصيانة العلاقات، ونشر الاحترام بين الناس. فلنحرص جميعًا على تعليمه وتطبيقه في حياتنا اليومية، وتعليمه لأولادنا، حتى يصير منهج حياة…
***
نسأل الله أن يحفظ أوطاننا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرد كيد المتطرفين في نحورهم، وأن يُبارك في كل من يَسعى لبناء الأوطان بالكلمة الطيبة، والعمل الصالح، والعقل النير.
اللَّهُمَّ احفظ أوطاننا من كل سوء، وبارك لنا فيها، واجعلها دار أمنٍ وإيمان، وسلامٍ وإسلام. اللَّهُمَّ من أرادها بسوء فاجعل تدبيره تدميره، وردّ كيده إلى نحره. اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، وهيّئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، ووفقهم لما فيه خير العباد والبلاد. اللَّهُمَّ احفظ شبابنا من الفتن، وألّف بين قلوبنا، ووفّقنا للعمل الصالح الذي يرضيك عنا. اللهم احفظ مصر شرقها وغربها، شمالها وجنوبها، طولها وعرضها وعمقها، بحارها وسماءها ونيلها، ووفق يا ربنا قيادتها وجيشها وأمنها وأزهرها الشريف، وعلماءها، واحفظ شعبها، وبلاد المحبين يا رب العالمين، اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا اللهم طهّر قلوبنا من الكبر، وزيّنها بالتواضع،اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
خادم الدعوة والدعاة د/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
والحاصل على المركز الأول على مستوى الجمهورية في خدمة الفقه والدعوة (وقف الفنجري 2022م)
المدير التنفيذي السابق لرابطة الجامعات الإسلامية- عضو نقابة اتحاد كُتَّاب مصر
واتس آب: 01122225115 بريد إلكتروني: drsoliman55555@gmail.com
يُرجي من السادة الأئمة والدعاة متابعة الصفحة الرسمية، وعنوانها:
(الدكتور أحمد علي سليمان)؛ لمتابعة كل جديد
لقراءة الخطبة أو تحميلها كاملا يرجي تحميل الخطبة من ملف pdf بالأعلي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
إتبعنا